Øموده الادارة
عدد المساهمات : 428 نقاط : 712 تاريخ التسجيل : 05/05/2011 العمر : 25
| موضوع: حصاد العمر السبت يوليو 02, 2011 8:28 am | |
| حصاد العمر
احتضن سماعة الهاتف بدموعه .. هاجمته طفولة في الصوت لم تلامس أذنه ، كانت مقيمة هناك تحت جلده ، تنسم رائحة فل وحبق ، ورآه يركض في البرية القريبة حاملا قطا بريا قذرا ، وآثار دماء على كفيه ، ناداه بلهفة وفزع ، ردّ عليه الصوت المحايد من سماعة الهاتف : ـ لم تقل لي يا حاج كم نمرة قدمك ؟ الصوت المحايد يهمس بالطلب للمرة المئة ، للمرة الألف ، لم يعد يدري كم من المرات سمع هذا السؤال ، ربما منذ ثلاثين سنة يتكرر على مسمعه ، تطلع إلى قدميه ، حدّق مليا : يا لك من عجوز تقف عند حدود الأمس ولا تتطور ، ما زالت قدمك تحافظ على نفس النمرة . !!! في كلّ مكالمة يسأله ذلك الصوت الذي لا ينتمي إلى حواسه نفس السؤال ، وفي كل مرة يردد نفس الإجابة المصحوبة بتنهيدة الزمن المر : لو أنها تتغير !! عبرت الحرقة مشاعره الهرمة ، سالت الدموع مغطية لحيته البيضاء ، انتزعت ابنته السماعة من يده ، بلهفة سألته عن الزوجة التي لا تعرف إلى الآن ملامحها ، عن الأولاد ، عن .. وتوقف صوتها منصتا لتذمره ، كان صوته المحايد يسأل : ـ أما زالت الطرقات عندنا مليئة بالحفر ؟ ، والماء من أين تحصلون عليه ؟ ، أيوجد عندكم سخان ؟ أما زلتم تقفون في الطابور لشراء الخبز ؟ أم أمك ما زالت تقف أمام التنور ؟ أنا قلق ، زوجتي تريد زيارة البلد ، و أخشى أن ... كالعادة أسقط في يدها ، ماذا تقول ؟ كيف تفصّل مدينة جميلة على مقاس الزوجة الأسبانية المثقفة وزوجها الطبيب الذي لم يعد يذكر الخن والدجاج ، والبراري ، وخبز التنور ، والسير حافيا في الأزقة الموحلة ، ومطاردة الأرانب ، وجز الحشائش لتصنع أمه منها وجبة غداء ..! أمه المقعدة بقيت في كرسيها بعيدا ، ترفض تناول السماعة والدموع تبلل صفحات القرآن في حضنها ، الصوت المحايد يهمس لأخته ـ لا بأس اتركيها على راحتها . يحضن سبحته وينزوي مع ذكرياته أمام الباب المتداعي ، يراه منحدرا من رأس الزقاق ، نفس الخطى المتعثرة الفرحة ، نفس الانطلاقة ، يلوّح بيده حاملا شيئا ما .. كان دائما يفرح بالأشياء البسيطة ، يرميها في حجر والده بفخر ، ويباهي رفاقه بها ، عشبة غريبة ، حطب يجمعه من البرية ، تنك فارغ ، وسحالي ، وسلحفاة غضة ! مازال وجهه ينضح بالعرق ، ولهاثه يعلو في الذاكرة .. في المدرسة كان يباهي بأنّه الأوّل دائما رغم هزاله ! في الجامعة كان لا يراه إلا ليطلب المصاريف التي تؤمنها أخته المنكفئة على ماكينة الخياطة .. و ...!! يقف أمامه فرحا ، يرفع إليه عينين ضعيفتي النظر ، يحاول تذكر ملامحه ، يبسم موزع البريد وهو يلوّح بما في يده : ـ طرد لك يا حاج من بلاد الأجانب ، إنه من الغائب . تسقط السبحة ، تنهض قامته المنحنية ، تشتدّ بفرحها ، يتناول الطرد بيد ٍ مرتعشة ، يهمس تلك الكلمات التي كررها الصوت المحايد في الهاتف : حذاء إيطالي ، جلد طبيعي ، مئة بالمئة ، مئة بالمئة ..! دخل البيت ، أخرج الهدية الغالية الثمن ، تساقط فرحه على رؤوس من في البيت ، تهلل وجه ابنته ، توقفت يد الحاجة عن عد حبات السبحة والأيام المنقضية ، جلد دافئ ناعم لونه بلون طين القرية ، بلون الشتاء البارد ، هذه المرة لم ينس النمرة .. لم ينس النمرة .. وضع فردتي الحذاء أرضا ، كلاهما كانت للقدم اليسرى !
| |
|
سيدة الورد
عدد المساهمات : 87 نقاط : 90 تاريخ التسجيل : 21/07/2011
| موضوع: رد: حصاد العمر السبت يوليو 23, 2011 7:09 pm | |
| | |
|